26 أكتوبر. 2017 - 16:25 sinda jemaii
الشارع المغاربي : بعد مرور ستين سنة على إلغاء الأحباس وحلها وادماجها في الاقتصاد التونسي العصري وتحت رقابة الدولة الوطنية يراد اليوم التراجع عن حلّ الاحباس وعلى أن يكون التراجع عن طريق البرلمان التونسي.
الجماعة أصحاب مطلب إحياء الأوقاف هم في الحقيقة يريدون بناء اقتصاد مواز للدولة الرسمية. فالجماعة تسعى دائما إلى بناء قاعدة مالية واقتصادية وعقارية لها استقلاليتها القانونية والمالية كمنظومة شرعية موازية للمنظومة الرسمية تتصرف حسب القوانين والمؤسسات الشرعية والفتاوى الشرعية وتقحم دور العبادة والزوايا والجمعيات الخيرية في دورة خارجة عن الدورة الاقتصادية العصرية لا تخضع لأية رقابة إن كانت من جهة الدولة أو من جهة البنك المركزي.
كما أنها لا تخضع لأي نظام جبائي مدني باعتبارها مستخلصة للزكاة بطبيعتها … منظومة موازية تكون تحت رقابة المجلس الشرعي الذي لا مناص من اعادة احيائه لتسيير الاوقاف والأحباس وتدعيم المصارف الإسلامية بما أن موارد الوقف وأمواله ستودع وجوبا وشرعيا في مصارف وبنوك إسلامية.
لذلك يتضح أن مشروع إحياء الوقف الذي ألغي في تونس منذ ستين سنة ما هو في الحقيقة إلا وضع لحجر الزاوية لبناء اقتصاد مواز خارج الأطر الرسمية للدولة التونسية اقتصاد تحت غطاء الشريعة الإسلامية.
والحقيقة أن أصحاب العمامة الفكرية سواء من نواب المجلس التأسيسي السابق أو نواب البرلمان الحالي أخذتهم العزة والثأر لكل الأطياف والجماعات التي كانت قد تضررت من قانون الغاء الأحباس الذي صدر سنة 1957، معتبرين أن قانون الإلغاء كان مظلمة مسلطة عليهم وأن الفرصة باتت سانحة اليوم لجبر هذا الضرر. وقد كان زعيم جماعة الإخوان في تونس قد طالب بإعادة إحياء الوقف والأحباس مباشرة بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011. وأعاد الكرة مرة ثانية في أوت 2017.
لقد بات اليوم متأكدا لدى الجماعة ان الأطراف الغربية الداعمة لهم اصبحت في ضل المتغيرات الجديدة تشترط عليهم القبول بمشروع قانون المساواة التامة بين الوارث والوارثة ذلك المشروع الذي اقترحته رئاسة الجمهورية التونسية وتداعت عليه أصوات الجماعات في الشرق والغرب بالشتيمة والتحريض.
لذلك نجدهم اليوم وفي تونس يريدون من وراء هذا المطلب المشبوه أن يستخدموه كورقة مساومة وهم يعلمون ان الأطراف الخارجية التي تدعمهم سوف لن تقبل منهم رفضهم للمساواة التامة بل تطلب منهم مزيدا من الفصل بين الدعوي والسياسي حتى يثبتوا وجههم المدني الذي يدعونه.
هم يريدون اليوم جبر الضرر وإحياء منظومة الوقف والحبسُ وهم يعلمون ان المجتمع التونسي برمته كان قد مجّ ولفظ هذه المنظومة باعتبارها أحد أهم ركائز الاستعمار العقاري والزراعي والإداري واحد ابرز موارد حلفاء الاستعمار منذ أربعينات القرن الماضي. يريدون إحياء الأوقاف والاحباس التي كانت في تونس عبارة عن شبكة مترابطة المصالح مسيطرة على اقتصاد مواز متعطل وهي شبكة وكلاء ونظار الاوقاف وعدولها ومقدمي الأوقاف والمترجمين وكلاء الخصام. شهود الأوقاف، كاهية النوازل، ومتفقدو الزياتين ومتفقدو النخيل خبراء الفلاحة…. وحاملو بطاقات جبر الأوقاف وشوّاش ميضات المساجد ونواب الأوقاف بالجهات والمنشئين ووكلاء شرع… جيش من المتمعشين الكسالى…
أما من الناحية الاجتماعية فنجد جمهورا واسعا من لزامة ومعاوضين وأيمة ومؤذنين ومؤدبين ومن نقابة الأشراف وأيتام وأرامل وفتيات أبكار عجزن عن الزواج وأرامل وحراس الاسوار في الليل وحراس الأسوار في النهار….وغيرهم وغيرهم.
هل يريدون إحياء هذه اللوحة التعيسة من تاريخ المجتمع التونسي تحت غطاء شرعي ومن أبواب بنوك عصرية البناء فاخرة بقانون شرعي يوافق عليه مجلس النواب ويسمح به الدستور؟… وكيف يسمح دستور عصري بوجود قانون عتيق ملتغي ؟
هل سيكون مطلبهم هذا خطوة محتشمة نحو إعادة إحياء المحاكم الشرعية ومحكمة “الدريبة” وقاضي الشرع وبيت مال المسلمين وأوقاف الحرمين الشريفين التي كانت ثمارها ترسل في كل سنة مع قافلة الحجيج الى البقاع المقدسة مكة والمدينة؟
هل يريدون عن طريق البرلمان ان يعيدوا إحياء شبكة تكونت بفضل الاحباس من المرتشين المفسدين والموالين للسلط الاستعمارية والمتنفذين من العائلات البلدية التونسية او من اتباعهم من أعيان الجهات يرتعون في جزء كبير من ممتلكات المجتمع بلا رقيب ويعطلون أهم الاراضي والدُّور والبقاع وغابات الزياتين بلا موجب؟ فهي ملكية لا يستفيد منها الفقراء بقدر ما يستفيد منها الاغنياء وعائلاتهم وأتباعهم وكان يصل امتداد الشبكة حتى الى افراد العائلة الحسينية المالكة والامراء والاميرات والابناء والاحفاد وهم مئات بل الاف من الذوات….
أحباس في ظاهرها للفقراء وفي باطنها للأعيان والوجهاء:
فالأوقاف والاحباس كانت في ظاهرها مؤسسات خيرية لخدمة المعوزين والفقراء والمتعبدين وأصحاب الالسنة الرطبة في الذكر والسجود والتهجد لكنها وفي باطنها موارد ثراء فاحش لأغلب فئات الاعيان من اصحاب العمائم وأصحاب الطرابيش والوجهاء كل قدير وقدره…
وقد تصفحنا وثائق مهمة دلّتنا على عائلات شتى نذكر منها العجيمي وبن داود والهاشمي وعائلات صفر المستقرة بتونس وعائلات حسن حسني عبد الوهاب ورشيد وزكريا وبركات والمسعودي والزواري والباجي والشريف والجلولي وعبد العزيز تاج وبلخوجة وسيالة والزاوش والمرابط والازغلي والعربي والعنابي والرياحي والباش مفتي الحنفي والورغي. ومن الذوات مثل الشاذلي السنوسي ومحمد جعيط والطيب الحداد واحمد زروق ومحسن مختار…. وكان أغلبهم من مشايخ الزيتونة وعلمائها اومن كبار موظفي الدولة الحسينية والموالين لنظام الحماية الفرنسية قبل الثلاثينات.
ولا يمكننا تجاوز هذه الفترة التاريخية الى الفترات القريبة احتراما للعائلات ورضوخا لقانون نشر الوثائق… والحاصل ان كل الذوات والعائلات التي استفادت من مداخيل ووظائف ومنافع الاوقاف كلهم او جلهم كانوا قد أسسوا عائلات ثرية أبًا عن جدّ ثراء جاء من دموع وعرق برنوس خماسة الاحباس ووقافها وحارسي أملاكها من زبارة وحراثة ولقاطة وسراح ورعاة وطياشة وتلاميذ الزوايا ودراويشها ومشايخ الاوطان والتراب…. وغيرهم شتى…
هل يريد الجماعة بمطلب احياء الاوقاف الرجوع الى التعليم الزيتوني؟
فاغلب موظفي الاوقاف هم من خريجي الزيتونة المتحصلين على التطويع او على شهادة المدرسة الخلدونية يعيّنهم الوزير الاكبر في وظائفهم وأغلب الموظفين المعينين لهم يد عاملة مع بعض افراد الحكومة يقول المثل يقبلون عليهم بالدجاج والعضم والسمن والعسل والمال….
وجرت العادة ان يتدخل امراء العائلة الحسينية وهم عدة من العائلات والفروع في حماية الموظفين المرتشين لطلب ترقيتهم ويعتبرونهم صراحة من بين منظوريهم المحميين مثل تدخل عز الدين باي لفائدة محمد بن علي المحرزي سنة 1924.
العديد من الموظفين المنتمين للعائلات المحظوظة كانوا عاجزين عن العمل متغيبين ومنهم من كان مختل المدارك العقلية مثل حالة السيد احمد بن الشاذلي بلقاضي الذي اصابه بأس اثر موت خاله مصطفى الدنقزلي ورغم ذلك واصل عمله في الجمعية وتواصلت جرايته استجابة للتدخلات الكبيرة لفائدته ومنهم من اعتاد الحضور في الادارة نصف يوم فقط لا يتعداه.
واغلب الوظائف وراثية إذ يعين الموظف احد ابنائه لتعويضه في وظيفته حتى ان كان مريضا أو متغيبا لأسباب شخصية مثال الشيخ سيدي محمد بن يخلف الذي ادلى بشهادة طبية وعين بموجبها ابنه الشريف بن يخلف معوضا له في ادارة أحباس المارستان ووافق مجلس الادارة على ذلك سنة 1930.
يقول سليمان الجادوي في مقال صدر بجريدة “مرشد الامة“ 1925 : ” ان جمعية الاوقاف اصبحت كمستودع لحشر المتقاعدين والذين لم يحسنوا السلوك في غيرها والمغضوب عليهم او من ادعى الاخلاص الشخصي“….
وما زال الحديث عن الأوقاف متواصلا..
6 نوفمبر. 2020 - 17:34 التعليقات على رغم الوضع الصحّي الحرج: الجامعة تعلن عن موعد انطلاق البطولة مغلقة
- 16:13 التعليقات على الكشف عن القائمة الدولية للحكام 2021 مغلقة
- 15:42 التعليقات على حادث مرور يودي بحياة لاعب الشبيبة القيروانية مغلقة
- 15:25 التعليقات على تطوّر جديد في القضيّة: الرابطة ترفض استخلاص معلوم خطايا هلال الشابة مغلقة
- 19:02 التعليقات على وزير الداخلة الفرنسي: لا علاقة للإسلام بالإرهاب وبالإيديولوجيا المتطرّفة مغلقة
- 17:50 التعليقات على شرف الدين لوزير داخلية فرنسا: لا يمكن مجابهة ظاهرة الإرهاب بطريقة أحادية مغلقة
- 17:25 التعليقات على درمانان في لقاء بسعيّد: فرنسا لا تواجه الأديان وانما الإيديولوجيات المُتطرّفة مغلقة
- 17:04 التعليقات على التقى قيادات من التيار وحركة الشعب:هل يُدير قيس سعيّد مشاورات في القصر ؟ مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 19:02 التعليقات على وزير الداخلة الفرنسي: لا علاقة للإسلام بالإرهاب وبالإيديولوجيا المتطرّفة مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 18:34 التعليقات على رئيسة مجلس النواب الأمريكي تصف بايدن بـ”رئيس أمريكا المنتخب” مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 17:50 التعليقات على شرف الدين لوزير داخلية فرنسا: لا يمكن مجابهة ظاهرة الإرهاب بطريقة أحادية مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 17:34 التعليقات على رغم الوضع الصحّي الحرج: الجامعة تعلن عن موعد انطلاق البطولة مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 17:25 التعليقات على درمانان في لقاء بسعيّد: فرنسا لا تواجه الأديان وانما الإيديولوجيات المُتطرّفة مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 17:04 التعليقات على التقى قيادات من التيار وحركة الشعب:هل يُدير قيس سعيّد مشاورات في القصر ؟ مغلقة
6 نوفمبر. 2020 - 16:53 التعليقات على عبد الكافي: أكبر نجاج تحقّق هو مشروع البحيرة وجرّة قلم يُمكن أن تقلب تونس مغلقة
18 سبتمبر. 2020 - 12:16 التعليقات على وزارة التعليم العالي: مشروع الجامعة الألمانية بتونس مازال قائما مغلقة